سلاك بوعزة سعيد عارف يحيى الخالقي آيت عمر توفيق
شعبة الجغرافيا || كلية الآداب والعلوم الإنسانية || جامعة السلطان مولاي سليمان || المغرب
تقديم:
أصبحت السياحة قطاعا محوريا في البرنامج التنموي للعديد من دول العالم سواء المتقدمة أو السائرة في طريق النمو، ويعد من المغرب من الدول التي حدت هذا الحدو، حيت أصبحت تراهن بشكل أساسي على تطوير السياحة بمختلف أنواعها والجبلية منها بشكل خاص، بالنظر إلى ما تتوفر عليه هذه المناطق من مقومات سياحية طبيعية وثقافية….، سعيا منها إلى رفع العزلة الجغرافية عن هذه المناطق والاستثمار الجيد والمعقلن للثروات المحلية وتسخيرها في بناء نموذج اقتصادي متكامل. لذلك يعد الاستثمار في السياحة خيارا استراتيجيا وقطاعا مستقبليا مهما، من أجل تنمية المناطق الهشة، وفرصة حقيقية لرفع العجز الاقتصادي والاجتماعي بهذه المجالات، وقيمة مضافة لتثمين التراث الطبيعي والثقافي بها. ويعتبر منخفض آيت بوكماز بجماعة تبانت أقليم أزيلال من المناطق التي تزخر بثرات طبيعي وتقافي غني ومتنوع، صنف تراثا عالميا من طرف لجنة التراث التابعة لمنظمة الأمم المتحدة.
في هذا السياق، يعتبر تثمين التراث الطبيعي الجيولوجي والجيومرفولوجي بجماعة تبانت “آيت بوكماز”، قضية رئيسية من أجل خلق تنمية سياحية بهذا المجال قادرة على جر باقي القطاعات الاقتصادية.
للاستثمار في المجال السياحي يجب أن يمر عن طريق جرد المواقع السياحية وفق منهجية علمية والتشهير بها محليا وطنيا ودوليا، من جهة ووضع برامج حمايتها من المخاطر التي تهددها ومعرفة الاليات التي تحكمت في تكوينها، وإبراز القيم التي تختزنها. في هذا السياق ظهرت مجموعة من المناهج التي تهتم بتقييم المواقع الجيولوجية والجيومرفولوجية، والتي وجدت في نظم المعلومات الجغرافية ملاذا لتطبيق مضامينها وطرق اشتغالها. حيت أن جل هذه المقاربات والطرق تعتمد على نظم المعلومات الجغرافية في دراسة وتقييم المواقع السياحية واقتراح برامج التثمين والمحافظة. وفي هذا الإطار تقدم نظم المعلومات الجغرافية إمكانيات هائلة في مجال دراسة وتثمين المواقع الجيولوجية والجيومرفولوجية عن طريق التعريف بها ورصد مختلف القيم التي تختزنها.
1. مجال الدراسة: منخفض آيت بوكماز جزء من الأطلس الكبير الأوسط الكلسي
تقع منطقة آيت بوكماز بين خطي طول ° 6 و30 دقيقة و°6 و15 دقيقة غرب خط غينتش، وما بين خطي عرض °31 و45 دقيقة و° 31 و30 دقيقة شمال خط الاستواء. وتنتمي جغرافيا إلى منطقة الأطلس الكبير الأوسط، وتمتد على مساحة تقدر بحوالي 400 كلم مربع. أما إداريا فهي تمتد على تراب جماعة تبانت بإقليم أزيلال بجهة بني ملال- خنيفرة خريطة رقم(1)
خريطة رقم (1) موقع مجال الدراسة
ويتميز مجال الدراسة من الناحية الطبوغرافية بكونه يتشكل من منخفض منفتح ومتوسط الاتساع، تتراوح ارتفاعاته المطلقة بين 1800 و1200 م، وتحيط بالمخفض سلسلة أعراف تتراوح ارتفاعاتها بين 3670م”تيزال” و”أزوركي” بالشمال الغربي، و3170م «إكودامن””واوكوزالت” بالجنوب الشرقي.
من الناحية الجيولوجية يتميز بهيمنة التكوين الكلسي على معظم من التكوينات الصخرية، بالإضافة من طيات جوراسية منتظمة، تقطعها انكسارات تعطي مشاهد تضاريسية على شكل محدبات ممتدة تفصلها منخفضات واسعة. ولعل تكوينها الكلس يجعل من المنطقة تمتاز بهيمنة الجيمورفولوجية الكارستية التي سمحت بتشكيل مجموعة من الإشكال الكارستية والعيون والأودية، ويغطي الجوراسي الأسفل غالبية المجال بينما الكريطاسي الأسفل لا يغطي إلا أجزاء محدودة (Combe Michel, 1977) (خريطة رقم 2).
خريطة رقم (2) جيولوجية مجال الدراسة |
أما مناخ المنطقة، ولإبراز الخصوصيات المناخية للمنطقة اعتمدنا المعطيات المناخية المتوفرة بمحطة “زاوية أحنصال”، وقد تبين من خلال تحليل معطيات هذه المحطة أن مناخ المنطقة جبلي ويتميز بشتاء بارد وصيف معتدل. ويتميز النظام السنوي للتساقطات بتفاوتات جد مهمة وعدم الانتظام بمتوسط بلغ 480 ملم، كما يتضح أن التوزيع السنوي للتساقطات المطرية، يعرف تفاوتا مهما من سنة لأخرى، فخلال الفترة الممتدة بين 1995 و1996 سجلت أعلى كمية من التساقطات المطرية بلغت حوالي 640 ملم، أما أدنى كمية فقد سجلت سنة 1985 بمعدل 150 ملم (مبيان رقم 1).
مبيان رقم (1): التوزيع السنوي للتساقطات المطرية لمحطة زاوية أحنصال (1985-2016).
من الناحية الهيدرولوجية وبفضل موقعه الجغرافي وطبيعته الكلسية ومناخه الشبه القاري يتميز مجال الدراسة بشبكة مائية مهمة ومتنوعة. تتجلى في مجاري مائية دائمة الجريان وأخرى موسمية (خريطة رقم 3).
خريطة رقم (3) توزيع الشبكة المائية بآيت بوكماز
|
بالإضافة إلى مجموعة من العيون ذات صبيب مهم. وتعتبر أودية ” أسيف نآيت احكم” و”أسيف نرباط” و”أسيف نسرمت ” من المجاري الدائمة بالمنطقة، إلى جانب أودية أخرى موسمية تربط تغذيتها بالتساقطات المطرية وذوبان الثلوج. إلى جانب المجاري المائية. تنتشر المنخفض حوالي 32 عين أهمها (معلمة المغرب)” عين آيت إيمي ” بدوار آيت إيمي، و”عين لالة تواية ” بدوار الرباط ، و” عين آيت أوهام” بدوار آيت أوهام… تنتشر معظمها عند قدم السفوح، ووسط الوادي، وتعتبر هذه العيون العمود الأساسي للموارد المائية بالمنطقة، وساهم هذا الغنى الهيدرلوجي في نشأة العديد من المواقع، كما ارتبطت العديد من الطقوس والمعتقدات، مما ساهم في الغنى الثقافي لهذا المجال، كما حظيت بالاهتمام والتقديس من طرف الساكنة حيث تخصص لها مواسم وذبائح تقربا إلى الله بها وطلبا إياه في زيادة منسوبها.
وتتميز المنطقة بانتشار مهم للمطور المنتح، الذي يتشكل أساسا من البلوط الأخضر والصنوبر الحلبي والعرعار، وقد عرف الغطاء الغابوي تراجعا مهما، ارتبط الى حد مهم بقدم الاستقرار وكثافة الاستغلال، وتمثل المساحة الغابوية حوالي 349798 هكتار، وقد عرفة المنطقة مشاريع تشجير واسعة بالصنوبر الحلبي. (خريطة رقم 3(. ويمكن تقسيم الغطاء النباتي بمنطقة آيت بوكماز الى ثلاث مستويات:
- المستوى الأول (1): تتراوح ارتفاعاته ما بين1200 و1800م، هو عبارة عن خضر وحبوب ومغروسات وزراعات علفية.
- المستوى الثاني (2): تتراوح ارتفاعاته ما بين 2200 و2600م، ويتشكل أساسا من البلوك الأخضر، الصنوبر الحلبي والعرعار الأخضر.
- المستوى الثالث: (3) وتفوق ارتفاعاته 2600م، ويتكون أساسا من النباتات الشوكية، وكذا بعض بقايا نباتات كانت متأقلمة مع الظروف المناخية السائدة بهذا المستوى. أما ساكنة المنطقة، فقد عرفت نموا متواصلا وتزايدا ملحوظا، حيت انتقل عدد سكان المنطقة من 8545 نسمة سنة 1982 إلى 13012وإلى سنة 2004 ثم إلى 14963 نسمة سنة 2014، ويعزى هذا النمو إلى تحسن المستوى المعيشي للساكنة وانخفاض نسب الفقر، وكذا الزواج المبكر (مبيان رقم 2).
خريطة رقم (4) توزيع الغطاء النباتي بآيت بوكماز
|
مبيان رقم (2) تطور ساكنة آيت بوكماز حسب مابين 1982و2014 |
وتتشكل ساكنة آيت بوكماز من 35 من الساكنة التي تقل أعمارهم عن 15 سنة، وحوالي 56,25 من الساكنة المتراوحة أعمارهم ما بين 15و 59 سنة، 8.75 من الساكنة التي تفوق أعمارها 60 سنة. ويعتبر القطاع الفلاحي النشاط الرئيسي للساكنة، منذ القدم وذلك بفعل الامكانيات التي يوفرها المجال التي يتميز بها الوادي كخصوبة تربته وموارده المائية المهمة.
تمثلا لمساحة الصالحة للزراعة بالمنطقة حسب إحصاء 1996 ما يناهز 4238. ويعتبر الشعير والقمح الزراعة الرئيسية، حيت تحتل مساحة شاسعة في المناوبة الزراعية؛ وتمثل البطاطس الزراعة الأساسية بين البقول في الجماعة. وهي زراعة ترجع بدايتها لسنوات 80، وقد عرفت انتشارا كبيرا في الآونة الأخيرة. (مبيان رقم 3).
مبيان رقم 3: أنواع استعمالات التربة بآيت بوكماز
التقرير المجالي التشاركي لجماعة تبانت 2009
|
-IIإشكالية البحث:
تتمحور إشكالية البحث حول كيفية استعمال نظم المعلومات الجغرافية في دراسة وتثمين المواقع الجيولوجية والجيومرفولوجية بمنطقة آيت بوكماز، وكيفية الاعتماد على هذه الموارد من أجل خلق تنمية محلية ومستدامة. كما ترتبط الإشكالية بكيفية دراسة المواقع الجيومرفولوجية والجيولوجية، وجردها وتقييمها باعتبارها عنصرا حيويا ومحوريا في تحقيق التنمية السياحية. وكيفية التعريف بهذه المواقع وإدراجها ضمن المنتوج السياحي الجبلي. وتتمحور أهم التساؤلات حول ما يلي: ماهي أهم المواقع الطبيعية الجيولوجية والجيومرفولوجية التي تزخر بها منطقة آيت بوكماز؟، وكيف تساهم طريقة المعهد الجغرافي الجامعي في تقييم وتثمين هذه المواقع؟، وما مدى مساهمة نظم المعلومات الجغرافية في التثمين السياحي والنهوض بالسياحية الجبلية؟
-IIIمنهجية العمل: السياق والأدوات
تعتبر المواقع الجيولوجية والجيومرفولوجية من الركائز الأساسية التي يمكن الاعتماد عليها لتحقيق التنمية السياحية بالمناطق الجبلية. ولقد أستعمل مصطلح “موقع جيومرفولوجي” لأول مرة سنة 1993م، من طرف الباحثين بنيزا (panizza) وبياسونت (Piacente)، اللذان اقتراحا استعمال هذا المصطلح للدلالة على الإشكال الجيومرفولوجية ذات الأهمية العلمية. وربطا تشكيل هذه المواقع بكل آليات التعرية والإرساب (السهول الغرينية النشطة…) والإشكال الناتجة عن هذه الأليات. وفي سنة 1997، قام الباحث جيرارد(Grandgirard) بتعريف الموقع الجيومرفولوجي بأنه مجموعة من الإشكال التضاريسية، التي تمكننا من معلومات، تسمح لنا بفك شفرة نشأة منطقة جيولوجية معينة وكذلك فهم تطورها الماضي والحالي. وميز فيه بين موقع جيومرفولوجي منعزل وبسيط إلى موقع مركب، كما يمكن أن يكون عبارة نظام، تتداخل فيه مجموعة من العناصر (النظام الكارستي مثلا). أما في سنة 2004، قام راينار(Reynard.E)، بإعطاء تعريف شامل للموقع الجيومرفولوجي، قائلا” الإشكال الجيومرفولوجية هي جزء من التضاريس، لها قيمة علمية مركزية، وكذلك قيم إضافية ايكولوجية، ثقافية، جمالية واقتصادية.”
في هذا الإطار، تعددت مناهج وأدوات العمل واختلفت باختلاف المواضيع والدراسات. وتماشيا مع موضوع دراستنا فقد قمنا باختيار منهجية عمل خاصة من أجل جرد وتقييم المواقع الجيومرفولوجية، وهي طريقة المعهد الجغرافي الجامعي بلوزان – سويسرا، 2007 (الشكل رقم 1). والتي تعمل على جرد المواقع، والتعريف بخصائصها، ثم تقييمها نوعيا وانتقاءها لدراستها وفق التقييم الكمي، ثم تحليل النتائج مع تصنيف المواقع حسب أهميتها العلمية والسياحية. واختيارنا لهذه الطريقة لم يأتي بشكل اعتباطي بل جاء مبررا بعدة دوافع، نذكر منها:
- سهلة العمل ذات معايير واضحة.
- مناسبة لموضوع البحث إذ تعمل على تقييم المواقع الجيومرفولوجية بمختلف أنواعها دون استثناء على عكس بعض الطرق الأخرى (طريقة جمعية الاستغوار السويسرية).
خطاطة رقم (1) معايير تقييم المواقع الجيومرفولوجية المقترحة من طرف Reynard, 2007
كما اعتمدنا في هذه الدراسة على مجموعة من التقنيات خاصة برامج نظم المعلومات الجغرافية، والتي سخرت الكارطوغرافية للتقييم العلمي والإضافي للمواقع وكذلك في التثمين السياحي من خلال رسم المدار السياحي.
:IVنتائج ومناقشة: تحظى المواقع الجيولوجية والجيومرفولوجية بقيمة علمية وجيوسياحية مهمتين.
4-1 جرد المواقع الجيومرفولوجية وتوزيعها الجغرافي:
أ- جرد المواقع
تتوفر منطقة آيت بوكماز على عدد مهم من المواقع الجيولوجية والجيومرفولوجية، مما يجعله ذو تراث طبيعي غني ومتنوع، وتجدر الإشارة إلى أن هذه المواقع تحتاج في تشكيلها إلى عاملي السنين ما يجعلها ذات أهمية كبيرة ليس فقط على مستوى ما تقدمه من أهمية اقتصادية أو ثقافية، وإنما لما لها من أهمية علمية وجيو تاريخية، إذ تمكننا من معرفة أهم الخصائص البنائية والصخارية التي تتميز بها المنطقة الشيء الذي يجعل منها أداة تعليمية تساعدنا على فهم مختلف الديناميات التي شهدتها الكرة الأرضية بصفة عامة، والمجال المدروس بصفة خاصة.
وبالاعتماد على العمل الميداني ونظم المعلومات الجغرافية، تم جرد حوالي 14 موقعا جيولوجيا وجيومورفلوجيا(جدول رقم 1). وتجدر الاشارة إلى أننا قمنا بجرد المواقع واسم الدوار مع اسم الأليات المسؤولة عن تشكيلها وإحداثياتها الجغرافية التي سنعتمد عليها من أجل إنجاز خريطة المدارات السياحية، كآلية للتعريف بها محليا ووطنيا وجهويا.
جدول (1): المواقع الجيولوجية والجيومرفولوجية المدروسة
الرقم | اسم الدوار | الموقع | ألية التشكيل | الإحداثيات الجغرافية | ||
Y | X | |||||
1 | تميت | تيزال | بنيوية | 31,664978 | -6,478071 | |
2 | تميت | سيدي موسى | بنيوية | 31,658654 | -6,433397 | |
3 | آيت إيمي | أغبالو نآيت إيمي | كارستية | 31,634972 | -6,394828 | |
4 | إباقليون | أثرالديناصور | باليوجغرافية | 31,660799 | -6,38538 | |
5 | ارباط | أغبالو نرباط | كارستية | 31,39 | -6,21 | |
6 | ارباط | لالة تواية | كارستية | 31,662809 | -6,351283 | |
7 | آيت وانكدال | تاصلالحت | باليوجغرافية | 31,673406 | -6,382892 | |
8 | آيت وانكدال | مزليسان | بنيوية | 31,679942 | -6,373888 | |
9 | آيت أوغرار | إحونا ن برتقيز | بنيوية | 31,687245 | -6,35934 | |
10 | آيت أوهام | أغبالو نآيت أوهام | كارستية | 31,706372 | -6,30267 | |
11 | إزوغار | بحيرة إزوغار | جاذبية | 31,706022 | -6,260323 | |
12 | إزوغار | إميزار نيزوغار | بنيوية | 31,726298 | -6,280871 | |
13 | أزوركي | جبل أزوركي | بنيوية | 31,737226 | -6,283781 | |
14 | أزوركي | إفرين نزوركي | كارستية | 31,739274 | -6,298834 |
ب- التوزيع الجغرافي للمواقع الجيولوجية والجيومرفولوجية وآليات تشكيلها:
تتعدد آليات تشكيل المواقع الجيومرفولوجية والجيولوجية، منها ما هو مرتبط بالآليات المورفومناخية ،أو آليات مورفوبنيوية، ويتضح من خلال العمل الميداني، أن أغلبية المواقع هي نتيجة لآليات بنيوية وأخرى مرتبطة بالدينامية الكارستية. خاصة وأن المنطقة تحتوي على نسبة مهمة من الصخور الكربوناتية. كما أن هناك مواقع تشكيلها مرتبط بالبنيوي، فيفسر وجودها بعوامل التعرية المختلفة (الميكانيكية والكيماوية)، ومختلف الحركات البنائية. هذا إضافة إلى بعض الآليات الأخرى ذات الأهمية الباليوجغرافية كما هو الحال بالنسبة لأثر الديناصور بدوار “إيباقليون” و”تاصلالحت” بدوار “آيت سالم” ، وآلية الجاذبية التي نتج عنها بحيرة “إزوغار”.( خريطة رقم 4). أما التوزيع الجغرافي للمواقع فيلاحض أن أغلب المواقع تتموقع بمنخفض آيت بوكماز، مع انتشار ضعيف للمواقع بالمجالات المرتفعة كالأعراف والقمم.
خريطة رقم ( (4 التوزيع الجغرافي للمواقع الجيولوجية والجيومورفلوجية وآليات تشكيلها
الشكل 4: تصنيف المواقع المدروسة حسب اليات التشكيل
4-2 تقييم المواقع الجيولوجية والجيومرفولوجية:
أ- التقييم العلمي للمواقع الجيولوجية والجيومرفولوجية:
تتميز أغلبية المواقع بقيمة علمية مهمة، فعلى مستوى سلامة الموقع يلاحظ أن جل المواقع لم تتعرض إلى أي تدهور، فهي سليمة وتزال تحتفظ على معالمها الأصلية خاصة بعض المواقع ك “إفري نوزوركي ” و” إميزار نزوغار ” و”أثر الديناصور”. أما حسب معيار التمثيلية فيظهر أن العديد من المواقع تساعدنا على فهم ودراسة لمختلف الخصائص الجيومرفولوجية الجيولوجية الجهوية.
وفيما يخص معيار الندرة، فشأنه شأن معيار التمثيلية، حيث نلاحظ أن عددا مهما من المواقع تمثل الخصائص الصخارية وبعض الخصائص الأخرى. إلى أن ذلك يبقى عاديا بالنسبة لمجال الدراسة بينما هناك مواقع أخرى تمثل خصائص استثنائية بمجال الدراسة، كما هو الحال بالنسبة ل “جبل أزوركي” و”إفري نوزوركي” “بحيرة إزوغار”(مبيان رقم 3 وخريطة رقم5).
أما بالنسبة للقيمة الباليوجغرافية فنجد أن بعض المواقع لا تفيد في فهم تطور الأرض والمناخ وهي حالة “أغبالو نآيت أوهام” و”بحيرة إزوغار” و”إميزار نزوغار”، وفي المقابل نجد مواقع أخرى تقدم العديد من المعلومات تساعدنا على دراسة وفهم العديد من مراحل تطور الأرض والمناخ،
مبيان رقم (3 ) أنواع استعمالات التربة بآيت بوكماز
|
كما هو الحال لأغلبية المواقع ذات التشكيل البنيوي مثل “تصالالحت ” بدوار آيت سالم و”إحونا ن برتقيز” بدوار آيت أوغرار والموقع البالويونتولوجي “أثر الديناصور ايبقاليون”. أما جبل أزوركي فيعتبر حالة استثنائية في المجال، فهو بمثابة المرجع الأساسي الذي يساعدنا على فهم مختلف مراحل تطور الأرض والمناخ . (مبيان رقم 3 وخريطة رقم5)
خريطة رقم (5) القيم العلمية للمواقع المدروسة |
الشكل (6) معايير القيمة العلمية للمواقع المدروسة
ب- القيم الإضافية: تحظى المواقع بأهمية جمالية وجيوسياحية قل نظيرها بالأطلس الكبير الأوسط المغربي.
تتسم العديد من المواقع الجيومرفولوجية بأهمية على مستوى القيم الإضافية ما يدل على أن علاقة الإنسان بالمجال علاقة حميمية وذلك من خلال التراث الديني والتاريخي الذي تحظى به عدة مواقع بالمنطقة هذا من جهة أما من جهة أخرى ونظرا لتضرس المجال وقدم تشكيله الجيولوجي فإن هناك مواقع أخرى تتميز بإشراف مهم وزاوية رؤية واضحة خاصة المواقع ذات التشكيل البنيوي، بينما المواقع الأخرى فإنها تتميز بتأثيرها ايكولوجي، إذ توفر البيئة الملائمة للتنوع البيولوجي واستقرار الوحيش والنبات، وهي حالة المواقع ذات التشكيل الكارستي. أما على مستوى القيمة الإيكولوجية يلاحظ أنها تبقى ضعيفة لدى العديد من المواقع، وذلك لكونها غير محمية محليا ولا جهويا ولا وطنيا رغم كونها بيئات طبيعية فريدة. ويعتبر “جبل أزوركي “و”قصبة سيدي موسى” الموقعين الوحيدين اللذين يتميزان بأهمية إيكولوجية مهمة وذلك لكونهما يوجدان ضمن محمية تشكل خزانا طبيعيا ولهما أهمية على المستوى الوطني.
خريطة رقم ((6 القيم الإضافية الجيومرفلوجية |
الشكل (7) معايير القيمة الإضافية للمواقع المدروسة
أما فيما يتعلق بالقيمة الجمالية فيلاحظ أن جل المواقع ذات التشكيل البنيوي والباليوجغرافي تمنح زوايا متعددة للرؤية. الولوج أمر سهل كموقع “جبل تيزال ” و”قصبة سيدي موسى” و”جبل ازوركي” وأما المواقع الكارستية فمن الصعب إدراكها دون بلوغها، رغم سهولة الوصول إلى بعضها كما تقتصر على مساحات جد ضيقة وفي أغلب الأحيان تتوفر على تضاريس متباينة، ومن بين هذه المواقع نجد ” أغبالو نآيت إيمي” ” أغبالون ارباط” “لالة تواية “أغبالو نآيت أوهام” وإفري نوزوركي. وعلى المستوى الثقافي فيتبين أن هناك بعض المواقع لها أهمية ثقافية مهمة نسبيا وذلك من خلال ما تؤديه من وظائف دينية وتاريخية وفنية أدبية وما لها من أهمية جيوتاريخية، فعلى مستوى الأهمية الدينية نجد بعض المواقع تقدم وظيفة دينية محلية “كقصبة سيدي موسى” و”أغبالو نآيت إيمي” و” لالة تواية” ، إذ تتم زيارتها اعتقادا بأنها تقدم الشفاء العاجل لكل من قصدها، وتقدم إليها القرابين والهدايا بشكل منتظم ثلاثة أيام، يوم في الأسبوع، أما الأهمية التاريخية فتكمن في تلك الحكايات التي تسرد حول بعض المواقع، وعلى سبيل المثال ” جبل مزليسان ” حيث يحكى أنه كان يقدم النصر لأبناء المنطقة في بعض الصراعات القبلية القديمة، وهناك مواقع أخرى لها أهمية تاريخية ك ” تاصلالحت” وإحونا نبرتقيز” …
مبيان رقم (4) القيمة العلمية للمواقع المدروسة
|
أما بالنسبة للقيمة الاقتصادية فتبقى متوسطة وتقتصر على بعض المواقع خاصة العيون، والتي تتجلى قيمتها الاقتصادية في كميات المياه التي تستفيد منها الساكنة في التزود بالماء الصالح للشرب وسقي مختلف الأنشطة الفلاحية والماشية وهي حالة “أغبالو نآيت إيمي” ” وأغبالو “ن ارباط ” و”لالة تواية ” وأغبالو “نآيت أوهام “، ونجدها منعدمة في العديد من المواقع وذلك نظرا لغياب الوعي بقيمتها وغياب الجهات المسؤولة عن تثمين هذه المواقع والمحافظة عليها وجعلها وجهة طبيعية مستقطبة للسياح، وتعتبر قصبة “سيدي موسى” الموقع الوحيد الذي يستفيد من عائدات تذاكر الدخول.
ج- القيمة الجيومرفولوجية الإجمالية للمواقع الجيولوجية والجيومرفولوجية:
يتم تقييم المواقع الجيومرفولوجية حسب متوسط القيمة الإجمالية، من خلال حساب معدل القيمة الإجمالية بإضافة متوسط القيمة العلمية إلى متوسط القيم الإضافية مقسوم على 2. تتميز العديد من المواقع الجيومرفولوجية بقيمة إجمالية متوسطة ويرجع ذلك إلى الدور الذي تلعبه هذه المواقع في التراث المحلي الطبيعي والثقافي وما لها من أهمية علمية وتاريخية (خريطة رقم 7).
خريطة رقم (7) القيمة الإجمالية للمواقع المدروسة
|
ومن بين هذه المواقع نجد أثر الديناصور “بإباقليون ” وجبل “تزال” الممتد من أسفل الوادي إلى حدود “جبل أزوركي ” وقصبة “سيدي موسى” بدوار تميت “..إلخ، بينما هناك بعض المواقع ضعيفة التقييم وليس لها أية أهمية محلية على الرغم من كونها مواقع غنية ولها خصائص جيولوجية ومرفولوجية مهمة وتساعدنا على التعرف على مختلف الديناميات التي شهدتها المنطقة وذلك من خلال تكوينها البنائي والصخاري ومن أمثلة هذه المواقع، موقع أغبالو ن “ارباط” بدوار ارباط” أغبالو “نآيت أوهام” ” إميزار نيزوغار”.
من خلال ما تقدم، يتميز مجال الدراسة بمواقع عديدة تحظى بقيمة علمية وثقافية مهمة، فعلى المستوى العلمي تتجلى قيمة هذا المعيار في كون هذه المواقع تساعد في فهم بعض الديناميات والتغيرات التي تساعد على تعيين تاريخ الجو والأرض عبر قرون ) مثال الديناصورات ( وكذلك مختلف المكونات البنائية والصخارية التي يتميز بها التشكيل الجيولوجي والجيومرفولوجي للمنطقة كالمواقع ذات الكارستي والبنيوي، أما على مستوى القيمة الثقافية فنستنج أن المنطقة عرفت استقرارا بشريا قديما وذلك من خلال الأهمية الدينية والتاريخية والفنية التي تحظى بها أغلب المواقع.
4-3 دور نظم المعلومات الجغرافية في تثمين المواقع الجيولوجية والجيومرفولوجية والنهوض بالنشاط السياحي.
يزخر مجال دراستنا بمواقع جيولوجية وجيومرفولوجية ومناظر طبيعية مهمة تحتاج إلى مزيد من الاهتمام لتشجيع السياحة الداخلية والخارجية بالجماعة، وقد صنفت المنطقة تراثا عالميا من قبل اليونسكو 1991 حيث تتوفر على مواقع أثرية مصنفة ضمن التراث العالمي كقصبة “سيدي موسى”. ويمتاز بعضها بكافة الخصوصيات والمميزات التي يمكن أن تجعل منها قبلة للسياح من مختلف بقاع العالم، نظرا لمظهرها الخلاب وجمالها “كأغبالو نآيت جائب وخصوصيات الطبيعة أو البناءات المشيدة عليه ك”إحونا نبرتقيز” و”جبل أزوركي”. وتعرف هذه المواقع بأهميتها التاريخية والفنية والثقافية.
أمام قيمة هذه المواقع السياحية كان لابد من اقتراح بعض الوسائل التثمين السياحي، ولعلى من أهمها المدارات السياحية كشل جديد للتعريف بهده المواقع والتشهير بها.
أ- المدرات السياحية شكل من إشكال التثمين السياحي والتعريف بالمواقع الجيولوجية والجيومرفولوجية :
تعتبر المدارات السياحية من بين الآليات المهمة والحديثة لتثمين المواقع السياحية والترويج لها وطنيا ودوليا، من أجل خلق رواج سياحي قادر على جلب استثمارات من شأنها تنمية المنطقة. في هذا السياق اقترحنا مدارا سياحيا(خريطة رقم 8)، من أجل التسهيل على الزائر التنقل بين المواقع، وبالتالي تشجيع السياحة الداخلية والخارجية. وقد اعتمدنا على نظم المعلومات الجغرافية، من أجل اقتراح مدار سياحي شامل ومركب، يضم أربعة عشر مواقعا. ينطلق من جبل تيزال والنهاية في نفس نقطة البداية وهو مدار يوفر مناظر طبيعية وثقافية مغرية. والخريطة التالية توضح مسار المدار السياحي المقترح:
خريطة رقم 8: المدار السياحي المقترح بأيت بوكماز
|
الشكل10 : المدار السياحي المقترح
تحتوي الخريطة على مسار يربط بين المواقع التي تم جردها ويبلغ طوله حوالي 74 كلم، موزعة بين أربعة عشر موقعا وهو مسار جبلي بامتياز، ويوفر مشاهد طبيعية متنوعة مشاهد الحقول الخضراء والمجاري المائية، والمنازل الطينية والقصبات الرائعة والجدول التالي يوضح الخصائص العلمية والثقافية وبعض المعطيات العامة للمواقع التي يربطها المدار السياحي.
ب- تصنيف المواقع الجيولوجية والجيومرفولوجية حسب أهميتها السياحية:
أما على مستوى القيمة السياحية فيمكن تصنيف المواقع أيضا إلى ثالث فئات هي:
- مواقع ذات قيمة سياحية مهمة: وتضم أربع مواقع وهي ” قصبة سيدي موسى” المصنفة تراثا عالميا من قبل اليونسكو 1991، والتي تحظى بأهمية علمية وثقافية مهمة ” وجبل أزوركي” الذي يعتبر ظاهرة استثنائية بمجال الدراسة، ويشكل خزانا طبيعيا بامتياز يسمح بفهم العديد من الظواهر الجيولوجية وتفسير العديد من الأحداث والديناميات التي شهدتها المنطقة أو الأطلس الكبير بصفة عامة وهو معروف على الصعيد العالمي لما له من أهمية علمية، ثم “بحيرة إزوغار” والتي تتميز بامتدادها المجالي وموقعها الجغرافي وجمالها الشكلي والتشكالي ويقصدها عدد هائل من السياح خاصة في فصل الشتاء ولها أهمية محلية “أكدال”. أما الموقع الرابع فهو “أثار الديناصورات” بدوار “إيباقليون” ويعتبر تراثا جيولوجيا مهما ويقدم أهمية علمية مهمة تسمح بمعرفة وفهم العديد من مراحل تطور الأرض والمناخ، وهو موقع معروف على الصعيد العالمي.
- مواقع ذات قيمة سياحية متوسطة: وتضم هذه الفئة أربعة مواقع وهي ” أغبالو نآيت إيمي” و”لالة تواية” “أغبالو ن ارباط” “وأغبالو نآيت أوهام” وهي مواقع تشترك في نفس الخصائص الجيومرفولوجية ولها أهمية ثقافية مهمة، كما حظيت بإقبال مهم من الساكنة المحلية نظرا لأهميتها الاقتصادية بسبب وفرة مياهها التي تستغل في مختلف الأنشطة الفلاحية بالمنطقة وأحد أعمد الموارد المائية بالمجال كلها مميزات جعل منها مواقع سياحية.
- مواقع ذات قيمة سياحية ضعيفة : وتحوي سبعة مواقع لا تزال مهملة ومجهولة رغم أنها ذات أهمية ثقافية دينية وتاريخية.
خاتمة
عموما يمكن القول إن الاعتماد على التراث وتثمينه من أجل خدمة التنمية في المناطق الهشة، يعتبر من المقاربات الحديثة والمهمة في مسلسل التنمية بالعديد من الدول، وقد أعطت الطرق العلمية في جرد المواقع وتقييمها وفق منهج علمي محكم إضافة قوية في المجال السياحي والتنموي. كما أن نظم المعطيات الجغرافية تعتبر أداة مهمة يمكن الاعتماد عليها في جرد والتعريف بالمؤهلات السياحية ورسم مداراتها السياحية.
كما نخلص إلى أن منطقة آيت بوكماز تتوفر على مؤهلات سياحية مهمة وموارد ترابية ذات خصوصيات محلية، يجب استغلالها من أجل تنمية المنطقة، خاصة وأن السياحة في السنوات الأخيرة، أخذت تتخذ منحى إيجابيا، خاصة منذ إعطاء انطلاقة مشروع الأطلس الكبير الأوسط، وقد كان لهذا المشروع وجها إيجابيا على الساكنة والمجال. فبالنسبة للساكنة تحسنت الظروف الاقتصادية والاجتماعية من خلال خلق فرص الشغل، وبالتالي تنوع المداخيل، ونشر الوعي بين فئة من السكان خاصة الشباب. أما على مستوى البيئة فقد لعبت دورا مهما في إنقاص الضغط على البيئة بسبب توفيرها لفرص الشغل في مجالات أخرى هذا من جهة ومن جهة أخرى، فقد ساهمت في إبراز أهمية التراث الطبيعي والثقافي في التوازن البيئي والمحافظة على التنوع البيولوجي والإيكولوجي. كما لا ننسى الدور الكبير الذي لعبته السياحة في المحافظة على عديد من المواقع الجيومرفولوجية وذلك من خلال التعريف بها عالميا وطنيا وتحسيس وتوعية الساكنة بطرق المحافظة عليها، على الرغم من كون هذه العملية لا تزال ضعيفة لكنها في طور النمو والتزايد وتحقق نتائج إيجابية .
قائمة المراجع:
- أحمد عمالك(1992)”آيت بوكماز، معلمة المغرب”، إنتاج الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر، الجزء السادس، طبعة، سلا، ص.85.
- الخالقي يحيى وآخرون )2016)، “المشهد الثقافي المندمج وإشكالية التنمية الجبلية المحلية المستدامة: حالة إقليم أزيلال” ورد ضمن أشغال الدورة الخامسة 47 لمنتدى التنمية والثقافة إلغزران أبريل، منشورات الجماعة القروية إلغزران رقم 5، ص 218.
- علي صدقي أزيكو (1992) نقلا عن أحمد حمام، “المصطلحات الأمازيغية في تاريخ المغرب وحضارته”، منشورات المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، 14 مطبعة المعارف الجديدة، الرباط، ص6.
- اللجنة الإقليمية للتنمية البشرية بإقليم أزيلال(ٍ2009)،”التشخيص التشاركي المجالي للجماعة القروية تبانت”.
- يونس أوعاشور) 2016)، “السياحة الجبلية بالأطلس الكبير الأوسط: “الدينامية والانعكاسات السوسيو اقتصادية والبيئية” حالة آيت بوكماز، بحث لنيل شهادة الماستر.
- Combe Michel (1977) : “ressources en eaux du maroc domaine atlasique et sud atlasique”. P11
- El Khalki Yahia (2009) paysages géomorphologiques : les géomorphosites, caractérisation, inventaire et évaluation ». Université Sultan Moulay Slimane, faculté des lettres et des sciences humaines, département de géographie ; Beni Mellal, p 4-5.
- Reynard (2006). “fiche d’inventaire des géomorphosites”, université de lausanne, institut de géographiep 8.
The adoption of geographic information systems in the assessment and evaluation of geological and geomorphological sites, in the development horizon of tourism in the Great Atlas of the Middle: case of Valley of AitBougmez/ Morocco